دام برس:
من الواضح أن التطورات الميدانية في الشمال السوري - وبالأخص في مدينة جرابلس- تنبئ عن حدوث صفقة بين تركيا و أمريكا كنتيجةٍ طبيعيةٍ لمستجدات الحرب التي تدور رحاها في سوريا وبالتحديد منطقة الشمال.
فالقوات الكردية قد أحرزت تقدماً ملموساً في المناطق الحدودية مع تركيا ، و أثبتت جدارتها كحليف للولايات المتحدة عندما استحوذت على مدينة عين العرب في السابق .
ما أثار القلق التركي من ازدياد سطوة الأكراد و توسع نفوذهم ،و تنامت المخاوف التركية من تخطي وحدات حماية الشعب الكردية لحدودها ، إذ بدأت تستغل حربها ضد تنظيم داعش من أجل إقامة كيان سياسي مستقل داخل سوريا على الحدود مع تركيا ، ليشكّل نواة الدولة الكردية المنشودة. وهكذا فإن الأكراد قد اقتربوا من تحقيق حلمهم الوردي.
من جهة أخرى ، فإن أيادي داعش قد بدأت تمتد إلى تركيا ، و ما التفجير الانتحاري الذي استهدف حفل زفاف في مدينة غازي عينتاب إلا مثال واضح على ذلك.rو قد التقت المصالح الأمريكية و التركية، فبدأ التعاون بين الطرفين بما يخدم أهداف كل منهما و يساعده على تنفيذ مخططاته .
فأطلقت أمريكا يد القوات التركية للقيام بعملية عسكرية تستهدف حزب العمال الكردستاني وفصائله المتواجدة في سوريا مقابل مشاركة الجيش التركي بجدية في الحرب ضد تنظيم داعش ؛ حيث أفادت التقارير أن الجيش التركي يستعد لشن هجوم عنيف على تنظيم داعش في ريف حلب الشمالي بدعمٍ أمريكيٍ ، و في المقابل السماح لتركيا بتحقيق الحلم القديم المتمثل في إقامة منطقة آمنة عازلة في الشمال السوري بعمق 50 ميلاً وطول 100 ميل تقريباً . بعد أن كانت أمريكا ترفض هذا الأمر طوال خمس سنوات من الحرب على سوريا .
وفي الحقيقة فإن إقإمة هذه المنطقة يهدف لأمرين اثنين: الأول هو ترحيل اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا إلى تلك المنطقة ، كونهم أصبحوا يشكلون عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد التركي . أما الأمر الثاني فهو منع الأكراد السوريين من إنشاء كيان سياسي مستقل من شأنه أن يهيّج لدى الأكراد التركيين - بل و الأكراد عامةً - نوازع إقامة دولة كردية كبرى على أراضي تُقضم من سوريا و العراق و تركيا .
كما أن الأمريكيين ظنوأ أن إنشاء منطقة آمنة شمال سوريا ، قد يمكنهم من التصدي للطائرات العسكرية السورية ، و هذا أمر غير ممكن بل مستحيل التحقيق خاصةً في الوضع الراهن و الظروف السائدة . rو لقد اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية الاتفاق على السماح باستخدام قاعدة إنجرليك الجوية التركية في توجيه ضربات ضد داعش من قبل قوات التحالف الدولي الذي تقوده إنجازاً هاماً ، لما يوفره من المال و الوقت بالنسبة لهم .
و لم يكن مفاجئاً أن تبيع أمريكا حلفاءها الأكراد ، و هي المعروفة بالتخلي عن حلفاءها ، سيما أن علاقتها بالأكراد حديثة العهد، و لا تتعدى المساعدات العسكرية ، و لم ترقَ لدرجة العلاقات السياسية في أي وقت من الأوقات .كما أنها لن تفضّلهم على حليفها الرئيسي و أداتها الفاعلة في تنفيذ سياستها في المنطقة و رأس الحربة في الحرب على سوريا . فتركيا ورقة ضغط تسعى من خلالها أمريكا لحجز مقعد لها على طاولة المفاوضات النهائية للأزمة السورية.
قد تكون تركيا استدرجت الولايات المتحدة لهذا الموقف بسبب استئناف علاقات الأولى مع روسيا ، و التقارب التركي الروسي الأخير الذي نجم عنه إبرام اتفاقيات في المجال العسكري والاستخباراتي . ما يعني إمكانية الاستغناء عن الدعم الأمريكي العسكري والسياسي ، و لكن في المقابل فإن أمريكا قد ورطت تركيا في حرب استنزاف طويلة الأمد ضد الأكراد .
فتركيا التي تشن حرباً شرسةً في الشمال السوري لم يكن هدفها يوماً محاربة داعش ، و إنما تسعى لتوجيه ضرباتٍ قاسيةً و مؤلمةً للأكراد بهدف كبح جماحهم وإفشال مخططهم في إقامة دولتهم ، وبالتالي تقويض حلمهم الأبدي .
وأي كان الهدف ، فتركيا قد أقدمت على مغامرة غير محسوبة و مجهولة العواقب ، و إذا كانت قد أطلقت شرارة هذه الحرب، فهل بإمكانها إيقافها أنّى تشاء و في أي مرحلةٍ تريد ؟!! الجواب في ما تحمله الأيام القادمة من مفاجآتٍ وتطوراتٍ على الأرض و في ساحات القتال .rأنس حبوس - عضو اتحاد الصحفيين
2020-06-02 07:03:36 | لماذاتخلت امريكا عن الاكراد |
عندما تنتهي المصالح لن يبقى احد عندما نشعر بالخطرحتى لوكنا مستعدين له سنخاف ونتخلى | |
منال شحادة |