دام برس :
لعل هذه القمة ستكون قمة تاريخية و نقطة فاصلة ليس لبريكس فقط ، وإنما للعالم اجمع ، حيث من المتوقع اعلان عملة جديدة قابلة للتداول مدعومة بالذهب للتعامل بها بدلاً عن الدولار، و في حال ما تم إطلاق عملة بريكس فسيتم فعليا و عمليا ، كسر الهيمنة الغربية ونفوذها الجيوسياسي و كسر أدوات الهيمنة الأمريكية و بخاصة الدولار الأمريكي، و ستكون العملة الجديدة بمثابة الخنجر الذي سيقطع وريد اقتصاد المركز الرأسمالي العالمي وسياساته الإمبريالية الاستغلالية , فالنموذج التنموي الذي ابتكره الغرب و ساد المعمورة شرقا و غربا، و تبنته مختلف الدول بما فيها الصين، لم يعد صالحا لبناء المستقبل، بمعنى بناء اقتصاديات قادرة على تحقيق النمو دون إضرار بالبيئة و تدميرها ، و تحقيق التوزيع العادل للثروة و الدخل محليا و دوليا، فهذا النموذج بلغ ذروته، و ما نراه اليوم من تدهور اقتصادي و تدمير بيئي و انحطاط ثقافي و تفشي الأوبئة و تريليونات الدولارات التي تتبخر على الحروب والهيمنة و التي لو استثمرت فعليا" في عمارة الأرض ورفاه الأمم لكان الوضع مختلف عما عليه اليوم.
إن المتغيرات الدولية التي يشهدها النظام الدولي فرصة نادرة للبلدان العربية وبلدان العالم الثالث للتحرر من الهيمنة الغربية و النظام الاقتصادي و المالي الغربي و التحرر التدريجي من قبضة الرأسمالية المتوحشة و النظام النقدي العالمي القائم على قاعدة الدولار و الدفع باتجاه تغيير قواعد اللعبة الدولية و الدعوة إلى إقامة نظام دولي متعدد الأقطاب و القطيعة مع الهيمنة الأمريكية و المركزية الغربية , وعلينا، كعرب أن ننظر إلى المتغيرات الحالية في الساحة الدولية، بطريقة أكثر إيجابية، وينبغي استغلالها بذكاء ومسؤولية للتأسيس لاقتصاديات حقيقية تلبي الاحتياجات الأساسية لشعوبنا ودولنا.
لكن السؤال الذي يطرحه البعض هل ستنجح بلدان المجموعة في إطلاق العملة الجديدة و بالتالي نجاح ” تحالف الشرق” بقيادة الصين وروسيا بالإضافة الى القوى الصاعدة فى النظام العالمي في انتزاع مركز الثقل بشكل سلس و إقامة نظام دولي جديد متعدد الأقطاب؟ أم أن “تحالف الغرب” بقيادة أمريكا ستدافع عن مكانتها و هيمنة عملتها على النظام النقدي والمالي العالمي لكسر شوكة تحالف الشرق و إفشال مخططاته؟
نشير هنا الى بعض الملاحظات:
1- قدم وزير المالية الروسي، المزيد من الأدلة حول ماهية عملة بريكس. وقال إنه بدلاً من التفكير فيها كعملة بديلة، “ربما يسميها وحدة دفع داخل دول البريكس”. وبالتالي فإن عملة “بريكس” ستستقر في البداية على التجارة بين دول “البريكس”. وهذا من شأنه من الناحية النظرية أن يخلق الظروف اللازمة لعلاقات نقدية أكثر ثباتاً بين الدول الأعضاء ، على سبيل المثال ، مثل آلية سعر الصرف الأوروبي قبل اليورو للنمو بشكل عضوي.
2- يعتقد جوزيف سوليفان الذي عمل سابقاً كخبيرٍ اقتصاديّ في مجلس البيت الأبيض للمستشارين الاقتصاديين خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ، إنّ “عملة البريكس يمكن أن تهزّ هيمنة الدولار، وقد تكون لحظة إزالة الدولرة وصلت أخيراً”. فبحسب رأيه، يمكن لدول “البريكس” تمويل فواتير وارداتها بشكلٍ مستقلٍ، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في التجارة الدولية، نظراً إلى الفائض التجاري الذي سجلته في عام 2022، .وعلى عكس اتحادات العملات الحالية، فإن مجموعة “البريكس”، لا تُركز على الحدود الإقليمية، ويمكن أن تنتج مجموعةً واسعةً من السلع، مما يُعزز لديها الاعتماد على الذات. وعلاوةً على ذلك، فإن النفوذ الاقتصادي الذي يتمتع به البلدان الأعضاء، يجعل “بريكس” أكثر توقا" للانخراط في الأعمال التجارية العالمية باستخدام العملة المُقترحة، مما يضمن القبول العالمي والمرونة التجارية، ويسمح للسلع بتجاوز القيود والتعريفات التجارية المفروضة
3- تجد بكين وموسكو أن الفرصة سانحة الآن لإعادة تشكيل النظام العالمي، خاصة بعد دخول الصين كمنافس رئيسي للولايات المتحدة في قطاعات التكنولوجيا وأشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي إضافة إلى مجال الفضاء، ما انعكس إيجابياً على وضعها الاقتصادي عالمياً، وبالمثل تطمح روسيا إلى إعادة تشكيل النظام الدولي وجعله متعدد الأقطاب بالتركيز على التحالفات الجديدة والتوسع في التسلح التقليدي والنووي، لذا تتوافق المصالح بين الجانبين الروسي والصيني لمواجهة الجانب الأمريكي.
4- بات متوقعاً أن تصبح بريكس رسمية بشكل متزايد وأن تصبح مؤسسية بشكل أعمق. ما يزيد من المخاوف لدى بعض صانعي السياسات في أوروبا والولايات المتحدة من أن تصبح دول البريكس ملاذاً اقتصادياً للقوى الصاعدة التي تسعى للتأثير على النمو والتنمية العالميين.
5- أدركت بعض الدول الأوروبية الآثار السياسية والاقتصادية لصعود المجموعة بالتزامن مع المواجهة بين بكين وواشنطن. وأبقت على قنوات تواصل مفتوحة مع جميع الأطراف وحجز مكان لها في مجموعة “بريكس”.
6- تسعى دول “بريكس” جاهدة لتعزيز سيادتها المالية وعزل نفسها عن تأثير العقوبات الغربية من خلال تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي وتبني آليات دفع بديلة. يمكن أن تمثل قمة “بريكس” 2023 منعطفاً حاسماً، يمثل بداية حقبة جديدة في التمويل العالمي.
7- من المتوقع أن تلعب القارة الإفريقية دوراً مهماً وحاسماً في تكتل بريكس وفي تقوية التحالف الروسي الصيني، نظراً لأن القارة غنية بالموارد الطبيعية من مصادر الطاقة والمحاصيل الزراعية، لذا تصبح نقطة جاذبة للاستثمارات من قبل الدول الكبرى في السنوات القادمة.
8- تمثل قمة بريكس ال15 نقطة فارقة في العلاقات بين إفريقيا وروسيا والصين، خاصة في حال نجاح القمة في اتخاذ قرارات اقتصادية تتعلق بإصدار عملة موحدة للتكتل أو تدشين مبادرات مع دول إفريقية غير أعضاء بالمجموعة، ما ينعكس بشكل مباشر على ملامح النظام العالمي في المرحلة المقبلة
9- يقول محللون في حين أنه من غير الواضح ما إذا كانت عملة “بريكس” الجديدة ستلهم إنشاء بدائل أخرى للدولار الأميركي، فإن إمكانية تحدي هيمنة الدولار كعملة احتياطية لا تزال قائمة.
ومع استمرار البلدان في تنويع حيازاتها الاحتياطية، قد يواجه الدولار الأمريكي منافسة متزايدة من العملات الناشئة، مما قد يؤدي إلى تغيير ميزان القوى في الأسواق العالمية.
10- ستحاول أمريكا وحلفائها الدفاع عن مصالحها بكل ما يتوفر من امكانات لكن سبق السيف العزل فالزمن لا يمكن أن يعود الى الوراء ولكل ظالم نهاية ولكل مستغل افول فالعملة المقترحة هي بداية أفول الدولار عالميا" ورغم ان الأمر سيأخذ عدة سنوات كي يكتمل كما يشير محللون إلا أن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة .
باحث أكاديمي وكاتب سياسي